حول الـمـــشـــــــروع

نطفو في فضاء مسموم

بدأتُ أسمع في نشرات الأخبار عن وباء انتشر في مدينة نائية في الصين، مدينة ووهان، وكان انتشاره سريعاً، وبلا ملامح واضحة للعلماء هناك. لكني لم أتوقع أن يكون سريع الانتشار لدرجة أن نشهد حالات الإصابة حولنا، هنا، وأن أشهد التوافد إلى قسم العناية المكثفة، في مشفى هداسا عين كارم–القدس، حيث أعمل ممرضاً. كورونا، هو اسم هذا الفيروس الذي نشر وما زال ينشر حالة من الذعر سيطرت على المشفى بل العالم أجمع.

يعتبر توثيق تاريخ الأوبئة في فلسطين نادراً على الرغم من أن أوبئة مثل الإنفلونزا والطاعون والكوليرا والتيفوئيد والتيفوس والدوسنطاريا وغيرهافي البداية، لم نمتلك إلا بعض المعلومات القليلة عن طريقة انتشاره، حثتنا على اتخاذ احتياطات وقائية أكثر من العادة، كي نحمي أنفسنا. إلا أن عجزنا، في بعض الأحيان، في إنقاذ مصابين من الموت، بسبب الاختلال العضوي المتعدد الذي يسببه المرض. وُضِعنا في مواجهة حقيقية أمام تحديات مجهولة وصعبة داخل القسم في المشفى. وانا شهدتُ أصعب الحالات المرضية في هذه الفترة.

إلا أن قسوة هذه العدوى كانت في واجبنا في الحفاظ على عزل المرضى بعيداً عن ذويهم، حتى في ساعات الممات.

أذكر نفسي واقفاً أراقب ما يجري حولي من أحداث، بعد مرور بضعة أسابيع من وصول أولى الحالات إلى المشفى، حين خطرت لي فكرة الحاجة إلى توثيق ما يتخلل جدران المشفى. ومنذ تلك اللحظة، وخلال دوامي، لازمتني آلة التصوير خاصتي، كل يوم، حتى أن زملائي لقبوني بـ"صاحب الكاميرا". أصبح وجود كاميرتي عادياً في قسم العناية المكثفة. وفي لحظات شرودي عن الواقع، بسبب فظاعته، كنتُ ألجأ إليها كي التقط صورة عن حاضر انفصلتُ عنه للحظات، قبل أن أفلت آلة التصوير من يديَّ وأندفع مجدداً داخل الإطار الذي التقَطَتهُ عدستي كي أسعف المصابين.

أتساءل أحياناً إن كان من الممكن تفادي خسائر هذه الجائحة، إذ ربما المعلومات التي نملكها اليوم، عن هذا الفيروس، ليست بالكافية. وما زلنا في وضع حرج حتى مع تطوير اللقاحات. وأتساءل إذ ربما التساؤل مغلوط من البداية؛ إذ لماذا نفكر في تدارك موقف بعد خروجه عن السيطرة، بدل بذل المجهود نفسه في خلق بيئة صحية لا تعطي مجالاً لوباء كهذا في الظهور أساساً.

حول الـفنـــــــــــــان

عارف مصالحة

مصور فوتوغرافي، يعيش ويعمل في مدينة القدس. يتابع دراسة الماجستير في مجال الصحة العامة في جامعة بن غوريون في النقب. تعرّف مصالحة على التصوير كوسيط بمفرده، وطوّر مهاراته بجهد ذاتي. إلى جانب ذلك، يعمل ممرضاً مختصاً في العناية المكثفة في مستشفى هداسا عين كارم في القدس، في وحدة العناية المكثفة للمرضى المصابين بفيروس كورونا