حول الـمـــشـــــــروع

صدري أنا متراس

تروي هذه الصور مجموعة من المشاهد خلال مسيرتي في شارع عمر المختار التي استمرت أكثر من ستة شهور، أراقب فيها التحولات والتغيرات التي شكلها الوباء الأخير على المدينة.

هذا الشارع الكبير الذي يربط شرق المدينة بغربها، هو أطول شوارعها وأكثرها قدماً، وله تاريخ طويل جداً من الانتصارات والانهزامات على مر الأزمنة.

كانت الإغلاقات المتقطعة التي شهدتها المدينة تروي في كل مرة سيرة جديدة للشارع، حيث تبدلت الحركة الكبيرة إلى سكون وجمود غريبين، عكسا الوجه الخفي لمخاوفنا وترقبنا لما هو آت، فأصبحت الشوارع التي كانت تملأها الكراسي وأحاديث الرصيف فارغة، ولم يتبقَّ فيها سوى كرسي واحد فارغ موضوع بطريقة مختلفة، ولكنه يفتقد الأجساد والأحاديث التي التصقت به طوال الفترات الصعبة والجيدة.

وانقلبت الشعارات التي ولدنا لأجلها ومعها فوق الجدران، ففيما سبق، كانت الرسومات تتخذ الكثير من الوجوه والكلمات للقيادات الشعبية والمناضلين والحركات الوطنية، لكنها أصبحت الآن تتزين بشكل جيد للوجه الجديد، الذي يزور كل العالم في اللحظة نفسها دون أي مواعيد مسبقة.

أُغلقت أعتق الأبواب وأعتاها، فصارت تُظهر تاريخاً طويلاً من الكتابات، لم أعايشها وقت الانتفاضة الأولى أو الثانية، كتابات الرفض والتذمر والتوعد، لا زالت إلى الآن متروكة فوق بعضها البعض، وملونة بكل الألوان. هذه الأبواب التي حملت الكثير من صور الشهداء أيضاً، تقول الآن ملصقاتها شيئاً جديداً كلياً، لا نعرف مدى زمانه ولا حتى أماكن تواجده.

لن يمر فوق المتاريس التي انتشرت على طول شوارع المدينة، ولكنه حتماً سيصطدم بقوة نفوس الناس التي تعاملت معه، كأي شيء سابق مرَّ عليها، إذ اختارته كمكان للجلوس أو طاولة لعرض بضائعهم فوقه، وأحياناً للعب عليه.

كيف سيكون شكل كل هذه الملامح إذا اختفى الوباء من العالم أخيراً؟

حول الـفنـــــــــــــانة

رهاف بطنيجي

مصورة وفنانة بصرية من مدينة غزة-فلسطين. علمت نفسها بنفسها، وشاركت في العديد من المعارض المحلية والدولية.

مؤخراً، شاركت البطنيجي في إقامة فنية في "فيليبا مانويلا" في مدريد، كما قدمت أعمالها رقمياً في "سايلد فيست-فلسطين" كجزءٍ من مهرجان "جلف فوتو بلس" في دبي في شباط 2022.

نظمت معرضها الفردي الأول في الفناء الخلفي لمنزلها في مدينة غزة في العام 2020. وكانت البطنيجي تعاونت في مشاريع مختلفة مع منظمات ومؤسسات مثل رواق، واليونسكو، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأوكسفام، وغوته، ومؤسسة عبد المحسن القطَّان.

كما نشرت العديد من المجلات العالمية صورها الفوتوغرافية مثل مجلة (Vouge)، وصحيفة (Lamonde Diplomatiq) الفرنسية.

تستعين البطنيجي بالرسم للتعبير عن أفكار الليل، والحرب، والأغنيات حولها. تعمل الآن مدربةً لتعليم التصوير الفوتوغرافي والفن لليافعين والشباب في جمعية نوى للثقافة والفنون.

في ممارستها للتصوير الفوتوغرافي، تهتم بالتصوير في الشوارع، لأنها تشعر أن الشارع هو بوابة تتعرف من خلالها على حياة وثقافات وهويات الأشخاص الذين يعيشون في مدينتها. إنها تشعر أن الشوارع لديها القدرة على تمثيل ثقافة البلد، من الجانبين المشرق والمظلم، وأن التصوير الفوتوغرافي لديه القدرة على فعل الشيء نفسه.

شهدت البطنيجي أربع حروب شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، واصلت خلالها إنتاج أعمال في سياقات مختلفة، ودمج وسائط مختلفة. أعمالها تحمل العديد من الأهداف الاجتماعية، لكنها مفعمة بالإيجابية المنعشة. ترفض صورها النوع الوحشي للصراع، وتستبدله باستخدام الألوان كأداة للمقاومة لتعكس حيوية الحياة في قطاع غزة.

طورت البطنيجي لغة بصرية فريدة وشخصية من خلال ملاحظاتها الحميمة للتفاصيل في المناظر الطبيعية والجمال الموجود في علاقتها بالأشخاص الذين يقطنونها.