المشروع هو بحث فوتوغرافي وتوثيقي للواقعية الاجتماعية لهذه الحقبة المضطربة التي شكّلتها جائحة كوفيد-19. حثّت مؤسسة عبد المحسن القطان الفنانين ليصبحوا شهوداً على اللحظة المتعلقة بالمأساة الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي تمر بها فلسطين اليوم. وتعرض هذه المنصة نتائج الأبحاث المنتجة من قبل الفنانين الذين تم اختيارهم.
يعتبر توثيق تاريخ الأوبئة في فلسطين نادراً على الرغم من أن أوبئة مثل الإنفلونزا والطاعون والكوليرا والتيفوئيد والتيفوس والدوسنطاريا وغيرها قد عصفت دوماً بسكان فلسطين الحضر والريفيين عبر التاريخ. وقد تزامنت مثل هذه الجوائح مع المجاعات والجفاف والحروب والجراد مخلفة وراءها آلاف الوفيات. في بعض الحالات، كما حدث مع الإنفلونزا الإسبانية العام 1919، توارت حصيلة الوفيات الناجمة عن المرض عن الذاكرة الجمعية وسط ضحايا المجاعة التي ضربت أرض فلسطين خلال الأعوام 1915-1918، وتزامنت، أيضاً، مع الحرب ضد الإمبراطورية العثمانية ودخول الجيوش البريطانية إلى فلسطين.
يترك كوفيد-19 في يومنا هذا ندوباً اجتماعية عميقة واغتراباً عما كان حميمياً ومألوفاً، حيث خلفت الجائحة تأثيراً حتمياً على مستقبلنا، إلا أنها، وبعكس تاريخ الأوبئة في فلسطين، فقد تزامنت مع خطة إسرائيل بضم الضفة الغربية، وتسارعِ خطوات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وبخاصة مع تقلص المساعدات الدولية، وأخيراً إخفاق المشروع السياسي الفلسطيني.
يتطلع هذا المشروع إلى تقديم أطروحات بحثية من فلسطين التاريخية تتعامل مع الثيمات والموضوعات التالية:
- لقد عنت القيود الصحية المفروضة على "طقوس الموت" في غضون الجائحة أن الكثيرين كانوا غير قادرين على توديع أحبتهم أثناء تأدية طقوس الدفن لأقاربهم وأصدقائهم بالطريقة التقليدية المعهودة، حيث يصل الموتى إلى المقابر في صمت، في حين تصطحب الجثامين ثلة صغيرة ترتدي بزّات صحية واقية وملونة للدفن. ضمن هذه الثيمة، فقد تمت دعوة الفنانين لاستخدام التصوير الفوتوغرافي لتوثيق الموت وطقوسه الاجتماعية والسريالية الجديدة.
- لقد أعادت الجائحة تشكيل فضاءات حياتنا المعاشة، وتمكنت من ترك ندوبها على بيئتنا الحضرية بـ"خواء جديد" نظراً للتدابير الصحية وممارسة التباعد الاجتماعي، حيث مكنت هذه المشهديات الخاوية المخيفة من ارتفاع "صوت الصمت" الناجم عن الإغلاق والحجر، لذلك فقد دُعي الفنانون ضمن هذه الثيمة إلى استخدام التصوير الفوتوغرافي لتوثيق الخواء الجديد وهيمنة المشهديات الصامتة.
- تعمل المستشفيات والمستوصفات الطبية بشكل مختلف، حيث تغمر موجات سريعة ومتدفقة من حالات فيروس كورونا غرف الطوارئ، ويُنقل المرضى المرتعشون من الحمى إلى وحدات العناية المركزة، وأحياناً إلى الممرات، بينما يعمل عمّال الصحة بدوريات إضافية لمواكبة التدفق. ينتظر الناس في طوابير لساعات للحصول على فحص كوفيد-19 في مراكز الفحص. وهنا، فقد دُعي الفنانون لاستخدام التصوير لتوثيق طقوس الجسد المصاب حين وصوله وإقامته ومغادرته العيادات والمستشفيات، والفنادق التي تم تحويلها إلى مراكز صحية لكوفيد-19.
- لقد جرت احتجاجات وتظاهرات صغيرة كردٍ على المأساة الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالتداعيات الاقتصادية لإجراءات الإغلاق المصاحبة للجائحة الجارية، حيث جادل العديد من المحتجين، وبخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبين بإعانات مادية من الاقتصاد الفلسطيني المنهار بعد أشهر من الإغلاق. فقد تركت الجائحة آلاف الناس بدون وظيفة، بعد أن دخل الاقتصاد مرحلة الركود ولم يتبقّ إلا التساؤل حول مدى استمراريته عمق تأثيره. فقد دفعت العديد من المؤسسات إلى شفير الإفلاس، وستتبعها كثر أيضاً إذا ما استمرت الأزمة لفترة زمنية أطول. كما يواجه الفلسطينيون الآن مستويات فقر وحدود دنيا في استهلاك الطعام، حيث تهمل الكثير من العائلات الوجبات وتحذفها، وتتناول أغذية أرخص، أو تستدين الطعام من الأقارب والجيران نظراً لفقدان دخلها. في هذه الثيمة، دُعي الفنانون لاستخدام التصوير الفوتوغرافي لتوثيق عمليات الاحتجاج والتدهور، فضلاً عن تقطع سبل المعيشة بسبب ترسخ البطالة والفقر. ويشجع الفنانون على تقصي أماكن العمل المهجورة وأماكن العمل الصغيرة والصناعات الخفيفة المغلقة.
شجع هذا الإعلان على القيام ببحث في هذه الموضوعات المذكورة أعلاه خارج المراكز الحضرية الرئيسة. وأعطيت الأولوية والسبق للمشاريع التي تستهدف المناطق المهمشة، إضافة إلى المشاريع التي تعمل على قياس الموضوعة المعطاة في مواقع جغرافية وبين تجمعات سكانية متعددة. كما أخذت لجنة الاختيار بالحسبان ثيمات وموضوعات أخرى للفنانين لا تتطابق مع المذكورة أعلاه، وبخاصة تلك الأفكار التي تركز على الواقع الاجتماعي لمأساة الجائحة. عمل الفنانون الذين تم اختيارهم على مشاريعهم البحثية لمدة 3 أشهر، بإشراف أعضاء لجنة الاختيار أحلام شبلي، وشروق حرب.